فلسطين: القصة التي لم تُروَ كاملة.. من وعد بلفور إلى يومنا هذا
في عالم مشبع بالصور المؤلمة والعناوين العاجلة من غزة، يطرح سؤال واحد نفسه بإلحاح أكبر من أي وقت مضى:
كيف وصلنا إلى هنا؟
هذه ليست قصة بدأت بالأمس، ولا حتى قبل عقد. إنها حكاية عمرها أكثر من قرن، نسجت خيوطها في قاعات السياسة الأوروبية، ورُويت فصولها بدماء وأحلام أجيال على أرض كانت تُعرف بسلامها وأشجار زيتونها. دعنا نترك ضجيج الأخبار للحظة، ونغوص في أعماق التاريخ لنفهم القصة من بدايتها الحقيقية.
1. البذرة الأولى: وعد من لا يملك لمن لا يستحق
قبل أن توجد دبابات أو طائرات مقاتلة، كان هناك حبر على ورق. في عام 1917، ووسط دخان الحرب العالمية الأولى، أرسلت بريطانيا "وعد بلفور" الشهير. لم يكن مجرد رسالة، بل كان صك ملكية لأرض لا تملكها بريطانيا، مُنح لحركة سياسية (الصهيونية) كانت تسعى لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. في ذلك الوقت، كان السكان العرب يشكلون أكثر من 90% من سكان الأرض. كانت هذه هي اللحظة التي زُرعت فيها بذور صراع المستقبل، وعدٌ تجاهل تمامًا حقوق وتطلعات السكان الأصليين.
2. النكبة: عندما توقفت الساعات
كلمة "النكبة" ليست مجرد مصطلح تاريخي، بل هي جرح حي في الذاكرة الفلسطينية. عام 1948، مع انتهاء الانتداب البريطاني وإعلان قيام دولة إسرائيل، اندلعت الحرب. النتيجة كانت تهجيرًا قسريًا لأكثر من 750,000 فلسطيني من بيوتهم وقراهم. لم يغادروا طواعية؛ بل فروا من مجازر مروعة، ودُمرت أكثر من 500 قرية فلسطينية ومُحيت من الخرائط. بالنسبة للفلسطينيين، هذا ليس حدثاً في الماضي، بل هو واقع مستمر يعيشه اللاجئون وأحفادهم حتى اليوم، حاملين معهم مفاتيح بيوت لم يعودوا إليها أبداً.
3. حرب 1967: احتلال غيّر كل شيء
إذا كانت النكبة هي الجرح الأول، فإن حرب الأيام الستة عام 1967 كانت تعميقاً لهذا الجرح. في أقل من أسبوع، احتلت إسرائيل ما تبقى من فلسطين التاريخية (الضفة الغربية، القدس الشرقية، وقطاع غزة)، بالإضافة إلى سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية. هذا الاحتلال العسكري لم ينتهِ قط. ومنذ ذلك الحين، بدأ فصل جديد من المعاناة: بناء المستوطنات غير الشرعية، مصادرة الأراضي، إقامة الحواجز العسكرية، ونظام تحكم في كل تفاصيل حياة الفلسطينيين.
4. من أوسلو إلى الجدار: أمل ضائع ومقاومة مستمرة
في التسعينيات، لاح بصيص أمل مع اتفاقيات أوسلو. كان من المفترض أن تكون خطوة نحو حل الدولتين وإنهاء الاحتلال. لكن على أرض الواقع، تضاعف عدد المستوطنات، وشُيّد جدار عازل ضخم يلتهم أراضي الضفة الغربية، وتحولت غزة إلى "أكبر سجن مفتوح في العالم" بعد فرض الحصار عليها. فشل العملية السلمية لم يقتل الأمل فحسب، بل غذّى أجيالاً جديدة من المقاومة واليأس، مما أدى إلى انتفاضات متكررة وصراعات دامية.
القصة التي بدأت بوعد على ورقة، أصبحت اليوم أزمة إنسانية وسياسية تهز ضمير العالم. فهم هذه الجذور التاريخية ليس مجرد تمرين أكاديمي، بل هو الخطوة الأولى نحو فهم حقيقة ما يحدث اليوم. فبدون فهم الماضي، سنظل أسرى للحاضر المؤلم، وعاجزين عن تخيل مستقبل مختلف تسود فيه العدالة والسلام لأهل هذه الأرض.
ما هو الجزء الأكثر تأثيراً في هذه القصة بالنسبة لك؟ شاركنا رأيك في التعليقات.
No comments:
Post a Comment